الهندسة الاجتماعية.. كيف تقع النساء في فخ الاحتيال الرقمي؟

مع ازدياد الاعتماد على الإنترنت في مختلف جوانب الحياة، برزت أساليب احتيالية جديدة تستغل الثقة والعواطف البشرية للوصول إلى المعلومات الشخصية واستغلالها بطرق غير مشروعة. تُعرف هذه الأساليب باسم “الهندسة الاجتماعية”، وهي تعتمد على التلاعب النفسي بدلًا من الاختراق التقني المباشر، حيث يقنع المحتالون ضحاياهم بمشاركة بياناتهم أو تنفيذ تصرفات تصب في مصلحتهم دون إدراك للخطر الكامن.

تتعدد أساليب الهندسة الاجتماعية، من محاولات الاحتيال عبر الرسائل الإلكترونية والمكالمات المزيفة، إلى استدراج الضحايا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يستغل المحتالون الحاجة إلى المساعدة أو الثقة الزائدة في الفضاء الرقمي. وغالبًا ما تكون النساء الفئة الأكثر عرضة لهذا النوع من الجرائم، كما يظهر في قصة “رُبى” 22 عاماً، التي وجدت نفسها ضحية للابتزاز بعد أن وثقت بشخص ادعى توفير فرصة عمل، لتكتشف لاحقًا أن الأمر كان فخًا مدبرًا بعناية.

عندما رأت “رُبى” إعلانًا على “فيسبوك” يطلب سيدات للعمل في شركة تجميل، شعرت أنها وجدت الفرصة المناسبة أخيرًا. لم تكن الوظيفة تتطلب شهادة أو خبرة، وهو ما شجعها على التواصل فورًا مع الرقم المرفق لمعرفة التفاصيل والتقديم. كانت رُبى شابة لم تكمل دراستها، ولم تمتلك مهارات عملية واضحة، لذا بدا لها هذا العرض مثاليًا لتحقيق استقلالها المالي.

جاء الرد سريعًا من شخص قدّم نفسه كمسؤول توظيف، تحدث معها بلطف وأقنعها أن العمل بسيط ولا يتطلب سوى بعض الخطوات الأولية. طلب منها إرسال صورة شخصية ومعلومات أساسية، مؤكدًا أنها إجراءات روتينية ضرورية للقبول. لم تتردد، فهي بحاجة إلى العمل، ولم ترَ أي خطر في مشاركة هذه التفاصيل. لكن بمرور الأيام، بدأ الحديث يأخذ منحى آخر، ووجدت نفسها تدريجيًا في دوامة من الابتزاز والاستغلال، حيث تم استخدام المعلومات التي قدمتها ضدها بطريقة لم تكن تتخيلها.

الهندسة الاجتماعية هي أسلوب احتيالي يستخدمه المخادعون لخداع الأفراد والتلاعب بهم للكشف عن معلومات حساسة أو القيام بأفعال تخدم المحتال. تعتمد هذه التقنية على استغلال الثقة، العواطف، أو نقاط الضعف النفسية للضحايا بدلاً من اختراق الأنظمة الإلكترونية مباشرة. في كثير من الحالات، يتم ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الاتصالات الهاتفية، أو البريد الإلكتروني، حيث يُقدم المحتال نفسه كشخص موثوق أو يستخدم سيناريوهات مُقنعة لخداع الضحية.

يعرف حسن الحسين مدرب أمن رقمي الهندسة الاجتماعية بطريقة مبسطة يقول إنها:

“فن خداع واحتيال الناس من قبل بشر بدون استخدام أدوات أخرى”.

أي أنها تعتمد على استغلال العواطف والثقة وقلة الوعي الأمني بدلاً من الاحتيال التقني المباشر كإرسال رسائل بريد إلكتروني أو رسائل مزيفة تدّعي أنها من جهات موثوقة، مثل مواقع التواصل، لخداع الضحية وإقناعها بإدخال معلوماتها السرية من صور ووثائق وأوراق ثبوتية من خلال التواصل مع الضحية والادعاء بأنه جهة موثوقة تقدم الدعم المالي أو غيره.

وهي تعني التلاعب النفسي بالأفراد وخداع عقولهم ودفعهم إلى الكشف عن معلومات حساسة أو القيام بأفعال قد تضر بهم.

لم تدرك “رُبى” خطورة ما وقعت فيه إلا عندما بدأ الشخص الذي تواصلت معه يبتزها، مستخدماً صورها ومعلوماتها الشخصية للضغط عليها. بدأ الأمر بطلبات صغيرة، ثم تطور إلى تهديدات واضحة، مما جعلها تعيش في قلق دائم.

تقول “حاولت أولاً تجاهله، لكن التهديدات لم تتوقف، فقررت أخيرًا طلب المساعدة”. لجأت ربى إلى إحدى صديقاتها التي نصحتها بالتواصل مع  مختص في الأمن الرقمي، كما انضمت إلى مجموعة نسائية على وسائل التواصل تقدم الدعم والتوعية حول هذه القضايا، بفضل ذلك، تمكنت من اتخاذ خطوات تقنية للخلاص من التهديد مدركة أهمية عدم مشاركة معلوماتها بسهولة في المستقبل.

قصة “رُبى” ليست حالة فردية، بل جزء من ظاهرة واسعة تتزايد مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. الهندسة الاجتماعية تستهدف النساء بشكل خاص، حيث يستغل المحتالون حاجتهن للعمل، أو الثقة التي يمنحنها عند التفاعل في الفضاء الرقمي، لتحقيق مكاسب غير مشروعة، سواء كان ذلك بالابتزاز المالي، الاستغلال العاطفي، أو حتى جرائم أكثر تعقيدًا مثل الاتجار بالبشر.

تعتمد الهندسة الاجتماعية على التلاعب النفسي، مستغلةً نقاط الضعف العاطفية والاقتصادية. بعض المحتالين يتظاهرون بأنهم يقدمون فرص عمل، كما حدث مع “رُبى”، بينما يتقمص آخرون شخصيات رومانسية، أو يقدمون أنفسهم كأشخاص موثوقين للحصول على معلومات حساسة.

تقدم خبيرة الأمن الرقمي حنين السيد عدة نصائح للسيدات خاصة في هذا المجال أهمها : التحقق من أي عرض عمل، وعدم التفاعل مع عروض العمل غير الموثوقة على وسائل التواصل، والبحث عن معلومات عن الشركات قبل إرسال أي بيانات.

عدم مشاركة المعلومات الشخصية بسهولة أو إرسال صور أو بيانات حساسة لأشخاص غير موثوقين أو عبر منصات غير آمنة.

مع ضرورة رفع مستوى الوعي والتعرف على أساليب الهندسة الاجتماعية يساعد النساء على اكتشاف محاولات الخداع مبكرًا، إضافة إلى طلب المساعدة عند التعرض للاستغلال وعدم السكوت عند الوقوع في الفخ، والتوجه إلى الجهات القانونية أو المجتمعية التي تقدم الدعم في مثل هذه الحالات.

قصة “رُبى” هي تحذير واقعي لكل امرأة تستخدم الإنترنت للبحث عن فرص أو تكوين علاقات اجتماعية. الهندسة الاجتماعية لا تستهدف فقط الأفراد الساذجين، بل يمكن أن يقع ضحيتها أي شخص يشارك معلوماته دون حذر. لذلك، فإن الوعي والتدقيق هما خط الدفاع الأول في مواجهة هذا الخطر المتزايد.

خلال السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تكررت حالات العنف الرقمي والهندسة الاجتماعية وخاصة لدى النساء والفتيات. إذ يتم استغلال قلة خبرتهم في الأمن الرقمي وحماية بياناتهم الشخصية في الإنترنت بشكل واضح.

تقول أم محمد، اسم مستعار لسيدة أربعينية تقيم في شمال غربي سوريا بريف إدلب، فقدت زوجها منذ سنوات في الحرب، إنها تعرضت لعملية احتيال بعد أن انتشر رابط إلكتروني على مجموعة في الوتساب خاصة بنساء أرامل من ذات المنطقة، يتضمن إعلان عن تأمين مساعدات  وكفالة  مالية للأيتام بشكل شهري بعد الدخول للرابط ووضع المعلومات الشخصية المطلوبة.

وقعت أم محمد وأربع نساء أخريات تعرفهن في “الفخ” حسب وصفها، تقول إنها تواصلت مع الجهة التي أرسلت الرابط، وطلبوا منهن صور شخصية ووثائق. أرسلت أم محمد صوراً لها ولابنتيها، 13 عاماً و 19 عاماً دون أن تعرف أن الرابط مخصص لخداع النساء وسحب صورهن وابتزازهن لاحقاً من أجل إجبارهن على إرسال مقاطع فيديو والتحرش بهن.

“ظننت أنهم يريدون التحقق من وضعنا أو صورنا في الوثائق التي أرسلناها فقمت بإرسال ما طلبوه” تضيف هذه الكلمات وعلى ووجها آثار الارتباك والندم رغم أنها تعرضت لهذا الموقف منذ فترة جيدة إلا أنها أدركت لاحقا المشكلة الحقيقة التي وقعت بها بعد توقفت عن التواصل معهم أو تلبية طلباتهم نهائياً.

أم محمد واحدة من نساء كثر تعرضن لحالات تواصل مشابهة بغرض خداعهن والوصول لصور وبيانات حساسة من قبل أشخاص يستغلون حاجة النساء للمال بسبب وضعهن المادي والاجتماعي مدعين تقديم المساعدات والمنح والكفالات المالية ويستخدمون شعارات المنظمات الإنسانية المختلفة مثل منظمة شفق وبنفسج وغيرها.

أكدت الأخصائية في الأمن الرقمي حنين السيد بأن نسبة كبيرة من النساء الأرامل تعرضن للاستغلال والتحرش على مدار السنوات الأخيرة من قبل من وصفتهم بـ “المتصيدين الإلكترونيين” بسبب استغلالهم لحاجتهن للمساعدة والدعم المادي والمعنوي وشددت على أهمية وجود جهة موثوقة يمكن للنساء اللجوء إليها في حال تعرضهن للابتزاز، لتجنب تفاقم الوضع وما يترتب عليه من أزمات نفسية وتجارب قاسية.

كما دعت إلى تعزيز القوانين لحماية النساء ومعاقبة المتحرشين والمبتزين رقميا إلى أن هذا الخيار مايزال صعباً بالوقت الراهن، لذا فإن تكثيف حملات التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدورات التدريبية وبرامج التوعية الرقمية حول السلامة الرقمية وحماية البيانات الشخصية تجنباً لوقوع النساء ضحايا العنف الإلكتروني من خلال تزويدهن بالمهارات الضرورية للتعامل مع هذا النوع من العنف.

ونصحت السيد بضرورة توخي الحذر من أي طلبات غير متوقعة للحصول على معلومات شخصية والتحقق دائماً من مصدر الرسائل والمكالمات وعدم الضغط على الروابط أو فتح المرفقات مجهولة المصدر بالإضافة إلى الحذر الشديد من العروض المغرية التي تبدو جيدة لدرجة يصعب تصديقها كالعروض، مثل المساعدات المالية والكفالات بمبالغ مرتفعة.

في ظل التوسع الرقمي واعتماد الكثيرين على الإنترنت في البحث عن فرص عمل أو مساعدات، أصبح من الضروري رفع مستوى الوعي حول الهندسة الاجتماعية وأساليبها الخطيرة. لا يقتصر الأمر على النساء فقط، لكنه يستهدفهن بشكل خاص بسبب ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية. لذا، فإن الحذر في مشاركة المعلومات الشخصية، والتحقق من مصداقية أي جهة قبل التعامل معها، يعدان من الخطوات الأساسية للحماية من الوقوع في شِراك المحتالين.

كما أن تعزيز الوعي الرقمي وإطلاق حملات توعية متخصصة يمكن أن يسهم في حماية النساء من هذه الظاهرة، إلى جانب تطوير القوانين لمحاسبة الجهات التي تمارس الاحتيال الرقمي. فكما أن الإنترنت أتاح فرصًا جديدة، فإنه أوجد أيضًا مخاطر تتطلب منا الحذر والوعي المستمر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى