
انتحال الهوية الشخصية.. جريمة تهدد الأشخاص في العالم الرقمي
فتحت الصحفية ماري الجندي (اسم مستعار) هاتفها لتجد إشعارات غريبة ترد إليها من أصدقائها ومعارفها، “لماذا أرسلتِ لي طلب متابعة مجددًا؟ هل قمت بتغيير حسابك؟” لم تكن تعلم أن حسابها على إنستغرام تعرض للسرقة، وأن أحداً ما تقمّص شخصيتها الافتراضية. وسرعان ما تحوّلت هذه التساؤلات إلى حالة قلقٍ وتوتر لها.
انتحال الحساب لم يكن مجرد عبث إلكتروني، بل كان بمثابة اعتداء على خصوصيتها وهويتها المهنية، خاصة أن عملها في الصحافة يجعلها أكثر عرضة للمخاطر على منصات التواصل الاجتماعية. “امتد هذا التهديد لحياتي الواقعية ما أدى لانقطاعي عن التواصل مع أصدقائي لخوفهم من أن يصبحوا ضحايا مثلي” تقول.
يعرف الانتحال الإلكتروني في العالم الرقمي بأنه نوع من المخادعة يقوم بها شخص لخلق شخصية مزورة في الشبكات الاجتماعية من خلال انتحال هوية مزورة دون إذن صاحبها، عن طريق سرقة بيانات وجمعها مثل الأسماء وكلمات المرور وأرقام الحسابات البنكية. لتحقيق مكاسب مالية، أو مساومة الضحية بطرق مختلفة.
لم يتوقع الخمسيني (أحمد حاج أحمد) هو الآخر أن يقع في مصيدة الاحتيال الالكتروني يوماً فهو يثق بأصدقائه ويعرفهم معرفة جيدة إلا أن أساليب النصب والتلاعب باتت تُدرس بعناية وتُحكم بإمعان من قبل أشخاص امتهنوا انتحال الصفة الشخصية لغيرهم واتجهوا لذلك كوسيلة لكسب الأموال وخديعة الناس كأي عملية سرقة تنفذ في الواقع الافتراضي بدلاً من الحقيقي حسب تعبيره.
منذ عام وحتى اليوم يُطالب الحاج أحمد بسداد ديون تبلغ 800 دولار أمريكي رغم أنه لم يستلمها أو يتصرف بها، بل كان ضحية لمتصيد إلكتروني انتحل هوية صديقه. يقول: “وصلتني رسائل مكتوبة على الواتساب من رقم يضع الصورة الشخصية لأحد أصدقائي وتحتها اسمه الكامل وبعد بدء الحديث بيننا بقليل طلب مني رقم شخص ما أعرفه ويقيم في تركيا لمساعدته بخدمة مدعياً تعسر أموره على المعبر.
يكمل: أرسلت له رقم لأحد معارفي وبعد أن تواصل الطرفان فيما بينهما طلب المحتال تحويل مبلغ 1000 دولار عبر دفعتين على حسابه المصرفي (IBAN) وهو حساب بنكي يستخدم لتسهيل إجراء التحويلات المصرفية. وحين لم يتلق رداً مباشراً عاد وطلب مني رقم آخر، حيث قام الأخير بتلبيته على الفور وأرسل مبلغ 400 دولار أمريكي إلى حسابه، كما أن الشخص الأول كان قد أرسل نفس المبلغ أيضا دون أن نشعر بشيء غير طبيعي ما أدى لوقوعنا بالفخ جميعاً، وكنت المساهم الأول بذلك.
منتحل واحد وضحايا كثر
ما زال الحاج أحمد متعجباً من الأسلوب الذي اتبعه المحتال والطريقة الحرفية التي أقنعهم فيها بتحويل المال بإرادتهم دون استدعاء الشك، فقد خدع في الوقت ذاته ثلاثة غيرهم، جميعهم لم يشعروا أنها عملية احتيال إلا بعد تحويل المال وخسارته. فقد تعرف على أرقامهم وأسمائهم وعملهم من حساباتهم على الفيسبوك وساعده على القيام بعملية السرقة هذه. حسب ما قال.
يقوم اللص الالكتروني بجمع معلومات حساسة عبر الأنترنت أو من خلال هجمات إلكترونية مما يتيح له القيام بعمليات انتحال على نطاق واسع وبسرعة كبيرة مؤثرا على عدد كبير من الأفراد في وقت قصير نتيجة الانفتاح الكبير على العالم الافتراضي بشكل أكبر من السابق وانتشرت هذه الظاهرة بكثرة بين الناس بسبب تطور التكنولوجيا وسهولة الوصول إلى المعلومات الشخصية وضعف الوعي الأمني عند الأفراد في حماية بياناتهم.
قضية تمسّ الكثيرين في عصر الهوية الرقمية الهشّة
ياسر الطراف أحد الأشخاص الذين لديهم علاقات اجتماعية قوية على منصات التواصل الاجتماعي حالفه الحظ عندما قام أحد المحتالين بسرقة اسمه وصورته الشخصية ليتصيد أصدقائه عن طريق الواتساب، ولكنه سرعان ما اكتشف الأمر من خلال صديقه الذي أخبره بأن شخصاً طلب منه أموراً غريبة تتعلق بالعملات الرقمية. مؤكدا بقوله: حاولت مباشرة إشهار القصة وقمت بالنشر وتحذير بقية الأصدقاء بعدم التعاطي أو الرد على أي طلب يصل إليهم من رقم وهمي يدَعي أنه يعود لي إلا بعد التأكد جيدا.
ولتجنب الوقوع ضحية لعصابات الأمن الرقمي تنصح الخبيرة في الأمان الرقمي (حنين السيد) بالتحقق من هوية الشخص عبر قنوات موثوقة قبل اتخاذ أي إجراء أو تحويل الأموال، وعدم مشاركة المعلومات الشخصية الحساسة مثل أرقام الهوية، الحسابات البنكية، أو كلمات المرور عبر الأنترنت، حتى مع من يدّعون أنهم جهات رسمية، وعدم الضغط على الروابط المشبوهة والحذر من المكالمات والرسائل الطارئة لأن المحتالون يعتمدون على أساليب مدروسة لاستهداف عدد كبير من الضحايا خلال فترة قصيرة.
تشير السيد بأن النساء هن الفئة الأكثر استهدافًا لانتحال الهوية لأغراض الابتزاز الإلكتروني أو الاحتيال العاطفي، حيث يتم استغلال صورهن او معلوماتهن الشخصية. أما الرجال، فهم أكثر عرضة لانتحال الهوية في عمليات الاحتيال المالي أو سرقة الحسابات لأغراض اقتصادية وبشكل عام، كل من يتواجد على الأنترنت دون اتخاذ تدابير أمنية مناسبة قد يكون عرضة لهذه التهديدات، بغض النظر عن الجنس أو العمر. لذلك، الوعي الرقمي والتصرف بحذر هو خط الدفاع الأول ضد المحتالين.
ويضيف مدرب السلامة الرقمية (حسن الحسين) أن الكثير من الناس يقعون في فخ الاحتيال بسبب تواصلهم مع أشخاص مجهولين أو بسبب إضافتهم لقائمة أصدقاءهم وعدم حماية خصوصية حساباتهم ونشرهم دلائل على تفاصيل حياتهم وعملهم. ويوصي برفع مستوى الخصوصية لدى مستخدمي قنوات التواصل المختلفة وعدم إضافتهم لأشخاص مجهولين أو التعاطي معهم وعدم نشر معلومات يمكن أن يستغلها المجرم وينتحل صفة بها، وتفعيل المصادقة الثنائية على الحسابات الشخصية والبريد الإلكتروني لأن ذلك يضيف طبقة أمان إضافية، ما يجعل من الصعب على اللصوص الوصول إلى الحسابات، حتى لو حصلوا على كلمة المرور.
تعد جرائم انتحال الهوية جزء من الجرائم الالكترونية وفي العديد من الدول تفرض عقوبات بالسجن والغرامات المالية على من يثبت تورطهم في عمليات انتحال الهوية فيما تعمل منظمات دولية على تنسيق الجهود لملاحقة مرتكبي جرائم انتحال الهوية، فتشكل القوانين المحلية والدولية إطارا متكملا يسعى إلى حماية الهوية الشخصية والبيانات.
لم يقتصر انتحال الشخصية لصفة أفراد، بل تعدى ذلك لتصيد الآخرين من خلال صفحات المنظمات الإنسانيّة (محليّة ودوليّة) لاستغلال أشخاص من المجتمع بنشر إعلانات عن وظائف في مجال العمل الإنساني، مثل توزيع مساعدات انسانية للعوائل المحتاجة أو الحصول على فرص عمل مستغلين بذلك حاجة الناس بهدف سرقة بياناتهم والمتاجرة بها بحسب من التقيناهم.
يخلف الاحتيال تأثيراً نفسياً على الضحايا وشعوراً بالقلق والتوتر نتيجة فقدان السيطرة على المعلومات الشخصية وخسائر مالية تصل لمبالغ باهظة أحيانا من خلال سرقة أموال من حساباتهم البنكية أو استخدام بياناتهم لارتكاب عمليات انتحالية كالتي حصلت مع كثيرين ممن التقيناهم. وتبقى المشكلة قضية تمسّ الكثيرين في عصر الهوية الرقمية الهشّة.