نساء سوريا في مواجهة المخدرات، بين التعاطي القسري والإدمان

في سوريا، ومع استمرار الحرب لأكثر من 14 عاماً، وما خلفته من دمار اجتماعي واقتصادي، وجدت النساء أنفسهن في قلب عاصفة من العنف والاضطهاد، مع تفكك الأسر وانهيار النسيج الاجتماعي، وقد أجبرت الكثير منهنّ على تحمل أعباء مزدوجة من العنف المرتبط بالإدمان على المخدرات، ليصبحن ضحايا صامتات في حربٍ لا ترحم.

(سارة، دلال، وليلى) ثلاث نساء تعكس قصصهن المأساوية حياة آلاف النساء السوريات اللواتي قادتهن ظروف الحرب إلى دوامة من الإدمان والعنف، في هذه القصة نسلط الضوء على التأثير الخفي للإدمان على النساء وكيف أصبحت المخدرات وسيلة لقمع النساء وتفكيك المجتمع السوري، وكيف تحول العنف إلى واقع يومي مرير تعيشه النساء السوريات تحت ظل هذه الكارثة الإنسانية.

انتشار المخدرات في سوريا

قبل اندلاع الصراع السوري في عام 2011م، عرفت سوريا بأنها ممر لتهريب المخدرات من الشرق الأوسط إلى أوروبا أكثر من كونها مركزاً لإنتاج أو استهلاك هذه المواد، لكن مع تطور النزاع وتحول البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة، تراجعت سلطة الأجهزة الأمنية التي كانت تسيطر على الحدود وتحارب تجارة المخدرات، ونتيجة لذلك، بدأت سوريا تدريجياً تتحول إلى واحدة من أهم مراكز إنتاج وتهريب المخدرات في المنطقة، وخاصة حبوب الكابتاغون التي أصبحت تُعدّ “ذهب النظام السوري” في زمن الحرب.

مع تصاعد الحرب وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على النظام السوري، باتت تجارة المخدرات، وخاصة الكابتاغون، أحد المصادر الرئيسية لتمويل النظام وفق لتقارير موثوقة صادرة عن منظمات حقوقية دولية، تشير إلى تورط مباشر للنظام السوري في إنتاج وتوزيع المخدرات، إذ وفرت هذه التجارة للنظام إيرادات ضخمة في وقت تدهور فيه الاقتصاد السوري بشكل كبير.

الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الشقيق الأصغر لرئيس سوريا بشار الأسد، كانت ولا تزال تلعب دوراً حاسماً في تنظيم عمليات الإنتاج والتصدير للكابتاغون، بالتعاون مع ميليشيات محلية وإقليمية مثل حزب الله اللبناني، حيث ساعدت هذه الشبكات المتشابكة على توسيع رقعة تجارة المخدرات ليس فقط داخل سوريا بل على مستوى إقليمي ودولي، إذ يتم تهريب الكابتاغون إلى دول الخليج وأوروبا.

A handout picture released by the official Syrian Arab News Agency (SANA) on November 30 , 2021 shows bags containing the banned stimulant captagon that was seized by authorities on a shipment destined to Saudi Arabia. – Syrian authorities today seized 525 kilogrammes of the banned stimulant captagon concealed in a pasta shipment that was destined for Saudi Arabia, state media said. (Photo by SANA / AFP) / == RESTRICTED TO EDITORIAL USE – MANDATORY CREDIT “AFP PHOTO / HO / SANA” – NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS – DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS ==

استغلال الفوضى لتوسيع نطاق التهريب

وبحسب تقارير صادرة عن مركز التحليل والبحث التشغيلي (COAR)، استغل النظام السوري انهيار المؤسسات الأمنية في المناطق الحدودية لتوسيع نطاق تهريب المخدرات، مما جعل سوريا تتحول إلى مركز صناعي متكامل لإنتاج وتوزيع المخدرات، لما تحققه من أرباح بمليارات الدولارات سنوياً، وهو ما يجعلها أحد الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها النظام السوري للاستمرار في السلطة، بالرغم من الضغوط الاقتصادية الدولية المتزايدة.

الكابتاغون، وهو نوع من المخدرات المنشطة، أصبح علامة فارقة في تجارة المخدرات في سوريا بعد عام 2018، حيث زادت نسبة إنتاجه بشكل ملحوظ الأمر الذي زاد من مستويات العنف في المناطق المنتجة والمستهلكة لهذه المخدرات وازدادت الجرائم المرتبطة بتعاطي وتهريب الكابتاغون بشكل حاد.

استخدام المخدرات كسلاح سياسي واجتماعي

ومع تحول سوريا إلى ساحة حرب مفتوحة، لم تقتصر تجارة المخدرات على كونها مصدر دخل للنظام وتمويل عملياته العسكرية فحسب، بل أصبحت المخدرات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات القوى المتنازعة، حيث تم استهداف الشباب بشكل ممنهج عبر ترويج المخدرات في مناطق السيطرة المختلفة من جنوب سوريا إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، مما أدى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وزيادة الاضطرابات النفسية والاجتماعية.

وتشير التقارير إلى أن بعض الفصائل المسلحة، سواء تلك الموالية للنظام أو المعارضة له، استخدمت المخدرات كوسيلة لجنيد الشباب للقتال، من خلال تشجيع الشباب على تعاطي المخدرات لتقليل قدرتهم على مقاومة السيطرة، مما ساعد الفصائل المسلحة على تعزيز نفوذها.

ووفقاً لتقارير حقوقية دولية، شهدت سوريا ارتفاعاً كبيراً في نسبة تعاطي المخدرات بعد عام 2014م، مع تفاقم أزمة النزوح والتهجير القسري وانتشار شبكات تهريب الأسلحة، حيث أصبحت المخدرات جزءاً من “اقتصاد الظل” الذي تعتمد عليه العديد من الأطراف المتصارعة، وارتفعت معدلات استهلاك المخدرات بشكل واسع نتيجة غياب الرقابة وانتشار الفوضى.

في السنوات الـ 14 الأخيرة، لم تكن سوريا قادرة على التعامل مع هذه الأزمة، خاصة مع انهيار مؤسساتها، وقد أدى ذلك إلى تعقيد المشهد، حيث يواجه المجتمع السوري تحديات غير مسبوقة على مستوى تعاطي المخدرات، والعنف المرتبط بها، وتفكك الأسر.

سيدة سورية في عفرين تطهو الطعام على نار الحطب: مشهد من الحياة اليومية وسط التحديات
BY: IDLIB PLUS

الأثر الخفي للإدمان وانتشار المخدرات على النساء والمجتمع

مع ارتفاع معدلات إنتاج وتجارة المخدرات في سوريا، تشير تقارير ميدانية إلى أن حوالي 50% من النساء اللواتي يعشن في مناطق النزاع في شمال سوريا يعانين من نوع من أنواع العنف الأسري، ويعتبر إدمان المخدرات عاملاً رئيسياً في الكثير من هذه الحالات وخاصة إدمان الكابتاغون، الذي يؤدي إلى تفاقم حالات العنف المنزلي بسبب تأثيراته على التحكم في السلوك والغضب.

وقد تأثرت المجتمعات في شمال سوريا (مناطق سيطرة قوى المعارضة) بشكل كبير بهذه الظاهرة، حيث أشارت الإحصائيات إلى أن انتشار المخدرات وصل إلى مستويات مقلقة في هذه المنطقة، خاصة بين الشباب.

النساء من أكثر الفئات التي تضررت بشكل خاص من هذا الانتشار السريع للمخدرات، حيث وجدن أنفسهن وحيدات في عين العاصفة، بلا قانون يضمن حمايتهن ولا مراكز رعاية تخلصهن من العنف الممارس ضدهن جراء إدمان المواد المخدرة من قبل أحد أفراد الأسرة من الذكور.

تقول سارة (اسم مستعار) (36عاماً) وهي مهجرة من ريف دمشق إلى شمال سوريا: “عشرين سنة من حياتي راحت حرق، شعور الأمان اللي الناس فقدته بعد الحرب، أنا فقدته من وقت تزوجت قبل الحرب.” لتعبر بذلك عن الحالة المأساوية التي تعيشها رفقة زوجها المدمن على تعاطي المواد المخدرة، إذ تتحمل النساء العبء الأكبر في مواجهة العنف المرتبط بتعاطي المخدرات، خاصة إذا كان الشريك أو أحد أفراد الأسرة من المدمنين.

التعاطي القسري

هذا ما عايشته سارة على مدار (20عاماً) من زواجها بعد أن وجدت قطعة حشيش في خزانة ملابس زوجها بعد أيام من زواجها وهي في سن (16عام) ومن ثم لاحظت تغيراً في سلوكه وتصرفاته بشكل غريب بالتزامن مع سماعها عبارات غريبة ومموهة تدور بينه وبين بعض أفراد عائلته الذين يتعاطون المادة نفسها بشكل جماعي، من قبيل عبارة “ملغومة أو غير ملغومة؟” أثناء تقديم أحدهم سيجارة  حشيش للآخر، للاستفهام حول احتوائها أو عدم احتوائها مادة الحشيش التي أثر دخانها على سارة في بعض المرات لتسمعهم يتهامسون بعبارة “لقطت معها” على حد وصفها.

لتبدأ بعد ذلك رحلة معاناتها من خلال إجبارها على شرب سجائر الحشيش بداية الأمر من قبل زوجها، ومن ثم إعطائها حبوباً من نوع “ترامادول”. تقول: “كنت أجبر نفسي على عدم تناول الحبة، لكنه كان يفتح فمي ليتأكد أنني بلعتها، مرة حاولت إخفاء الحبة تحت لساني، فاكتشف الأمر وضربني وأجبرني على ابتلاعها، وما إن ابتلعتها حتى بدأت أرتجف وأحسست أن قلبي سيتوقف”.

تروي سارة حكايتها بصوت متألم “أجبرت على التعاطي تحت التهديد بالقتل وعندما تهجّرنا لشمال سوريا سنة 2018م كنت متأملة بوجود قانون يحميني، بس طلع العكس، بالكثير عياري رصاصة وما حدا بيسأل عني حيث كان القانون غائباً تماماً، ولم أملك أي حماية” هذه التجربة تعكس الواقع القانوني المتدهور في سوريا، سواء في مناطق سيطرة النظام السوري أو في المناطق الأخرى.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد في كثير من الأحيان، وإنما يتعداه إلى مراحل أبعد وأخطر على النساء والأطفال وقد يفكك أسراً بأكملها، ويخلفُ أمراضاً اجتماعية يصعب التعامل معها على المدى القريب، بحسب المرشدة الاجتماعية سلام الطويل العاملة مع منظمات العمل الإنساني في محافظة “إدلب” شمال سوريا.

ويعدّ الترامادول مسكّناً فعالاً للألم، ويصنّف طبيّاً كأحد الأفيونات المصنّعة، وهو دواء من المفترض أن يتم صرفه بوصفة طبية ويباع باسم الترامادول، ولكن له أسماء تجارية كثيرة، إذ يبلغ عدد الأصناف التي تحتوي على مادته الفعالة (ترامادول هيدروكلوريد) قرابة 20 صنفاً تتسبب باضطرابات في إفراز مادة الدوبامين في الدماغ، فتصبح الأولوية القصوى لدى المدمن، هي الحصول على الجرعة التي تمكنه من التصرف كشخص طبيعي يستطيع أن يؤدي أبسط المهامّ اليومية، ويمكن أن تتسبب الجرعة الزائدة بالاختلاجات وتباطؤ القلب واحتمالية الموت بالإضافة إلى الشعور بالتوتر والقلق والتقلبات المزاجية الحادة وغير الاعتيادية بحسب المصدر الطبي PubMed.

وقعت فريسة زوجها وأصدقائه 

إجبار سارة على تناول الحبوب المخدرة ترافق بضرب مبرح تعرضت له في كل مرة رفضت تناول الحبة، بالإضافة إلى تهديدات مستمرة بإيذاء أطفالها أو أحد أفراد عائلتها إلى أن باتت تطلبها بنفسها، ليترتب على ذلك غرق أكبر وضياع وشعور دائم بالانفصام القاتل بين الليل والنهار وتخبط المشاعر، حسب وصفها.

تقول “كنت أشعر أنني كل شيء إلا إنسانة، كان يريدني عبدة ويفرض علي تصرفات حيوانية، حتى خيالي اخترقه وأجبرني على تخيل أشياء بشعة، كنت أشعر أنه تزوجني فقط ليستمتع بتعذيبي، مع الوقت أصبت بصدمة نفسية وفقدت الثقة بنفسي، شعرت أنني موجودة في دائرة وحدي وشبحه يسيطر علي، في مرحلة من المراحل فقدت علاقتي بربي وصرت ناقمة لدرجة لم أعد أصلي، لأنني كنت مقتنعة أنني لم أذنب بشيء يستوجب كل هذا العقاب.”

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه لتصبح فريسة لزوجها وأصدقائه معاً إذ أتاح لهم الفرصة للتحرش بها أمام عينيه، أو إرسالهم إلى منزلها في وقت غيابه، تروي كيف بدأ هذا الأمر قائلة “تعرضت للضرب الشديد، ثم أجبرني على أخذ صور خاصة لي وإرسالها لأصدقائه، في المقابل، كان يحصل على صور خاصة بزوجاتهم بأوضاع مخلة وغير طبيعية.”

تحملت سارة هذه الانتهاكات الصارخة بحقها لرغبتها الشديدة في الحفاظ على طفليها (سلام وأمير) خوفاً من أذى والدهما أو أن تُحرم من رؤيتهما، بالإضافة إلى خوفها عليهما من وصمة العار المجتمعي في حال عرف الناس أنهما ابنا شخص مدمن على المخدرات، لذلك حاولت طويلاً إخفاء ما تتعرض له، إلا أن جنون والدهما أحياناً يضعهما ضمن دائرة العنف نفسها التي تحكم والدتهما.

تؤكد أنها كانت تحت التهديد طوال الوقت، تهديد حياتها وأولادها وعائلتها في حال طلبت الطلاق، وبالتحديد بعد تهجيرها إلى الشمال السوري حيث بات حصول زوجها على المواد المخدرة أكثر سهولة وبنوعيات مختلفة وتأثيرات شديدة مثل حبوب “الكابتاغون” ومخدر “الكريستال ميثامفيتامين” المعروف بـ”الإتش بوز” شديد الخطورة الذي يؤدي تعاطيه إلى ارتكاب الجرائم والأفعال من دون التفكير بنتائجها وعواقبها.

وفي نهاية لقاءنا مع سارة أشارت إلى محاولاتها الكبيرة في تخطّي موضوع التعاطي من خلال التخفيف، فبدل أن تدخّن سيجارة كاملة تكتفي ببضع “سحبات” إلا أن ذلك كلّفها مزيداً من العنف ضدها من قبل زوجها، لكنها رغم ذلك تحاول من أجل أولادها وبتوعية من صديقتها المقيمة في أوروبا، التي حاولت جاهدة أن تسحبها من تلك الدوامة من خلال الحوارات التوعوية معها كما تقول، بالإضافة إلى الوازع الديني الذي ساعدها على الصبر، ومن ثم تتنهد تنهيدة طويلة وتقول بصوت خافت “ما قدرت كون وحدة وسخة بس ما قدرت ارجع وحدة نضيفه، أنا بحاجة حدا يسمعني وما يلومني وما أخجل منو أو يخليني أشعر بالوصمة”.

 

نساء دخلن جحيم المخدرات خوفاً من الوصمة المجتمعية 

لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد النساء المعنّفات بسبب المخدرات في شمال سوريا، إلا أن المركز السوري لمحاربة المخدرات -مؤسسة مدنية مستقلة متخصصة في محاربة المخدرات وعلاج الإدمان والتعاطي يعمل في مناطق سورية عدّة- أكد لنا على أنه رصد 20 حالة لنساء تعرضن للعنف الزوجي والأسري نتيجة تعاطي المخدرات، خلال فترة عمله منذ سنتين، أغلبهن في منطقتي رأس العين وتل أبيض مؤكداً على وجود حالات أكبر من هذا العدد بكثير إلا أنها لا تظهر للعلن بسبب خوف الضحايا من الشريك والوصمة المجتمعية.

سلام الطويل، مرشدة اجتماعية تعمل مع منظمات الإغاثة الإنسانية في شمال سوريا، تقول: “في المجتمعات التقليدية مثل سوريا، يتم النظر إلى النساء من خلال مفهوم الشرف والعار. أي سلوك يُعتبر مخالفاً للتوقعات المجتمعية – حتى وإن كان ناتجاً عن تعاطي المخدرات بالإجبار أو العنف – يُعد وصمة اجتماعية ثقيلة”. هذه الوصمة تجعل العديد من النساء يفضلن الصمت على مواجهة المجتمع أو التحدث عن مشكلاتهن والنساء اللواتي يتعرضن للعنف أو يجبرن على الإدمان يخشين من النبذ الاجتماعي أو الانتقام من عائلاتهن، ما يزيد من عزلتهن ويجعلهن عالقات في دوامة العنف.

والوصمة الاجتماعية التي تتعرض لها النساء اللواتي يعانين من التأثير الخفي للإدمان أو العنف الأسري لا تقتصر فقط على تهميشهن داخل المجتمع، بل تؤثر أيضاً على فرصهن في الحصول على الرعاية الطبية والنفسية في مجتمع يُهيمن عليه الخوف من الفضيحة حسب الطويل.

 

هاجر المحمد، أخصائية نفسية تعمل في مناطق النزاع، ترى أن هذه الوصمة الاجتماعية تؤدي إلى تفاقم المعاناة النفسية للنساء. “النساء المدمنات غالباً ما يعانين من اضطرابات نفسية حادة مثل القلق والاكتئاب، وذلك نتيجة لعدم وجود دعم اجتماعي كافٍ لأن المجتمع لا ينظر إليهن كضحايا، بل يُحملهن المسؤولية عن مصائرهن، وهذا ما يعمق شعورهن بالذنب والعار”.

تضيف هاجر: “النساء اللواتي يعانين من الإدمان والعنف لا يمتلكن في العادة القدرة على الحديث عن تجاربهن بحرية بسبب الخوف من الفضيحة وهذا يؤثر بشكل كبير على فرصهن في الحصول على العلاج النفسي المناسب، مما يزيد من تعقيد أزماتهن”.

وأكدت، أن حالات العنف في المجتمعات تزداد خلال الحروب والظروف الطارئة، إذ تُجبر النساء على تقبل العنف بغض النظر عن درجته، كما تحدثت عن أشكال عديدة للعنف ضد النساء بسبب التعاطي، وفي مقدمتها العنف الجسدي والجنسي، العنف النفسي والعاطفي، الاستغلال، التهديد، الابتزاز، بالإضافة إلى إجبارهن على التعاطي أو تأمين المواد المخدرة، ما يؤكد على وجود علاقة طردية بين نسب تعاطي المخدرات ونسب العنف والجرائم، مشيرة إلى أن ذلك لا يقتصر على مناطق شمال سوريا وإنما “يمتد لكل سوريا”.

 

من جهته كشف المركز السوري لمحاربة المخدرات عن تزايد نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في مناطق شمال غرب وشمال شرق سوريا في عام 2024 مقارنة بعام 2021، ويعتمد المركز بحسب مسؤولة وحدة دعم وحماية المرأة في المركز أسيل المحلول على إجراء الاستبيانات الدورية لقياس نسبة انتشار المخدرات وأثرها، حيث يصل متوسط نسبة المتعاطين في المناطق المستهدفة إلى 40% تتراوح أعمارهم بين 16 و35 عاماً.

كما تلقى المركز خلال فترة عمله بين الأول من شباط / فبراير 2022 حتى نهاية شهر تموز/ يوليو 2024، اتصالات من 200 مدمن في شمال غرب وشمال شرق سوريا، عبر الخط الساخن للمركز أبدوا رغبتهم بشكل ذاتي في تلقي العلاج أو طلب المساعدة والاستفسار عن كيفية التعامل مع الإدمان وآثاره.

مقارنة الأرقام بين شمال سوريا والمناطق الأخرى

تعد مناطق شمال سوريا، مثل إدلب وريف حلب ورأس العين، من أكثر المناطق تضرراً نتيجة انتشار المخدرات، مقارنة ببقية المناطق السورية حيث تزيد نسبة تعاطي المخدرات بسبب انهيار البنية الأمنية، والفقر المستشري، واستمرار النزوح، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نسبة الشباب المتعاطين في هذه المناطق تتراوح بين 30-40%، بينما في مناطق أخرى، مثل دمشق وريفها، تقل هذه النسبة إلى حوالي 10-15%.

 

تمثل نسب تزايد المتعاطين كابوساً للمجتمع لا سيما النساء اللواتي يجبرن على التعاطي دون قدرتهن على تخطي الأمر، وما يرتبط بذلك من تقبل للعنف وممارسة الدعارة والجرائم، لأن المرأة بذلك “تصبح شريكة المتعاطي في أعماله” كما تقول الأخصائية الاجتماعية سلام الطويل التي تؤكد على تنامي هذه الظاهرة من خلال خبرتها المجتمعية، وتلقيها الكثير من الحالات منها من تطلب المساعدة.

مدمنات دون ذنب  

لا تستطيع جميع السيدات اللواتي يعانين من هذا العنف النجاة من الأمر بسهولة، وخاصة عندما تتوفر الأسباب التي تجبرهن على البقاء مع الشريك كما حصل مع دلال (اسم مستعار-40 عاماً) التي فضّلت اختيار زوجها على عائلتها قبل عام 2011 حين تقدّم للزواج منها أثناء إقامتها في محافظة اللاذقية علة سواحل سوريا.

تقيم دلال حالياً في أحد المخيمات شمال إدلب رفقة زوجها بعد زواج دام (14 عاماً) بدون وجود أولاد بسبب إجبارها من قبل زوجها على أخذ حقن خاصة بمنع الحمل حتى تتسنى له معاملتها بالشكل الذي يناسبه دون أي مؤثرات كما تقول لنا.

وصولنا إلى دلال كان صعباً جداً، لكن لم يكن من الصعب اقناعها أن تتحدث عمّا تعانيه جراء المخدرات، إذ كانت تبحث عن أي أحد يسمعها لترتاح لا لأن تطلب المساعدة، لأنها مقتنعة أنه “يستحيل مساعدتها أو حل مشكلتها” كما تحدثت.

تقول “لم أكن أعرف إلى من ألجأ بعد أن هربت من كنف عائلتي، كان الجميع يخاف من زوجي ولم أشعر بأي دعم محيط يمكن أن يساعدني في مواجهة العنف الذي أتعرض له”، وهذا ما أجبرها على البقاء معه حتى هذه اللحظة رغم كل ما تعانيه من ضرب وإذلال واجبار على التعاطي.

تتعرض دلال لعنف مضاعف بسبب طبيعة إقامتها ضمن مخيم لا يراعي الخصوصية مع التصاق الكتل السكنية بعضها ببعض، وهذا ما دفع زوجها لمعاملتها بطريقة وحشية، إذ اعتاد ربطها وإغلاق فمها، وممارسة جميع أشكال العنف ضدها، من عنف جنسي وجسدي ونفسي ولفظي، انتهى به إلى إجبارها على التعاطي.

“أنا لا أريد ذلك، أنا مجبرة على التعاطي” تردد هذا الجملة والدموع تتساقط من عينيها اللتين أحيطتا بهالات سود، وهي تروي تفاصيل قصتها والانتهاكات التي مازالت مستمرة باستمرار زواجها وإجبارها على التعاطي.

أما تجربة ليلى (اسم مستعار)، المهجرة من مدينة حلب إلى مخيمات عفرين شمال حلب، تعكس صورة مؤلمة للمعاناة التي تواجهها النساء في تلك الظروف حيث وجدت نفسها تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية جديدة بسبب زوجها، الذي كان يعاني من صدمة نفسية جراء الحرب، دفعته لتعاطي المخدرات حسب وصفها، كوسيلة للهروب من واقعه لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ بدأ يحتال على ليلى أيضاً لتتعاطي الحبوب المخدرة معه، مستغلاً وضعها النفسي والظروف القاسية التي كانا يعيشانها.

تروي ليلى بحزن: “شعرت أنني فقدت السيطرة على حياتي كان العنف يتزايد مع مرور الأيام، وبدأت أعيش في خوف دائم من فقدان أطفالي وفي النهاية قررت ترك زوجي واللجوء إلى مركز مختص بمعالجة المدمنين في منطقة إعزاز شمال حلب، إذ لا يوجد في المخيمات دعم كافٍ للنساء اللواتي يعانين من هذه الظروف، ولا أعلم إلى من يمكنني اللجوء”.

اضطرابات نفسية وعزلة اجتماعية

تعاني النساء اللواتي يجبرن على تعاطي المخدرات من اضطرابات نفسية خطيرة مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة حسب الأخصائية النفسية هاجر المحمد التي أكدت على ضرورة توفير الدعم النفسي والعلاج المناسب لتلك النساء ومساعدتهن على التعافي والعودة إلى حياتهن الطبيعية من خلال توفير بيئة آمنة وداعمة كخطوة أولى نحو تمكين تلك النساء وإعادة بناء حياتهن.

كما يجدر الذكر أن لدى المركز السوري لمحاربة المخدرات “برامج لدعم ذوي المتعاطين، خاصة النساء، عبر وحدة حماية وتمكين المرأة، التي تعمل على تقديم الدعم النفسي للنساء المتضررات من العنف المرتبط بتعاطي المخدرات عبر خط ساخن للتبليغ عن عمليات العنف الذي ارتفع معدله بشكل ملحوظ، بالإضافة للعمل على تجهيز وحدة “صحتي” التي ستقدم استشارات متخصصة في مجال الإدمان من خلال المختصين والمختصات في المجال والمتابعة مع المدمنين وذويهم للوصول إلى التعافي والاندماج المجتمعي، حسب أسيل المحلول مسؤولة وحدة دعم وحماية النساء في المركز السوري لمحاربة المخدرات.

إلى جانب الآثار النفسية، تعاني النساء من آثار اجتماعية سلبية مثل العزلة الاجتماعية وفقدان الدعم الأسري والمجتمعي، تقول الأخصائية الاجتماعية سلام الطويل: “النساء اللواتي يجبرن على تعاطي المخدرات يجدن أنفسهن معزولات عن المجتمع، مما يزيد من شعورهن باليأس والإحباط مما يتوجب توفير برامج دعم وإعادة تأهيل لتمكين تلك النساء من استعادة حياتهن من قبيل تقديم المساعدة القانونية والنفسية للنساء المعنفات”.

وتعقّب الأخصائية الاجتماعية بأنه “يجب توفير مأوى آمن وبرامج إعادة تأهيل لمساعدة النساء على الخروج من دوامة العنف والإدمان، كما يجب توعية المجتمع حول خطورة تعاطي المخدرات والعنف المرتبط بها.”

النساء والأطفال في المخيمات، ضحايا الاستغلال

مع تزايد أعداد النازحين واللاجئين السوريين، تضاعفت التحديات الاجتماعية والاقتصادية، مما جعل النساء والأطفال أكثر عرضة للاستغلال في المخيمات. في ظل غياب القانون، وجدت الكثير من النساء أنفسهن عرضة للاستغلال، سواء من قبل أفراد أسرهن المدمنين أو من الجماعات المسيطرة على تلك المناطق في حين يلجأ بعض المدمنين إلى التعاطي كوسيلة للهروب من الواقع القاسي.

تقول الأخصائية النفسية هاجر المحمد “الأطفال الذين ينشؤون في بيئات يسودها تعاطي المخدرات والعنف الأسري هم من بين أكثر الفئات تأثراً على الصعيدين النفسي والجسدي”، وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بيئات مليئة بالعنف والإدمان هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية مثل “الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)”

وتعرّض الأطفال بشكل متكرر للعنف الجسدي أو العاطفي، سواء بشكل مباشر أو من خلال مشاهدتهم للعنف بين والديهم، يؤدي إلى تدهور صحتهم النفسية “دراسة من قبل الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)” تظهر أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري يعانون من مشكلات في التركيز، واضطرابات سلوكية، وصعوبات في تكوين علاقات اجتماعية صحية مع أقرانهم.

التأثيرات النفسية للعنف والإدمان تمتد أيضاً إلى الأداء التعليمي للأطفال، بحسب دراسة من “المركز الوطني للصحة العقلية للأطفال (NCTSN)” أوضحت أن الأطفال الذين يعانون من اضطرابات عاطفية نتيجة التعرض للعنف والإدمان يميلون إلى التراجع الأكاديمي، وكثيراً ما يتغيبون عن المدرسة بسبب المخاوف والقلق المستمر بالإضافة إلى ذلك، قد يظهر على هؤلاء الأطفال سلوك عدواني أو انسحابي، وهو ما يزيد من عزلتهم في المجتمع المدرسي.

قوانين المخدرات قبل الحرب

قبل الحرب، كان القانون رقم 2 لعام 1993 هو التشريع الأساسي الذي ينظم العقوبات المتعلقة بالمخدرات حيث نص هذا القانون على عقوبات مشددة بحق المتورطين في تجارة المخدرات، تتراوح بين السجن المؤبد والإعدام، إلى جانب فرض غرامات مالية ضخمة حسب الحقوقية هدى سرجاوي المقسمة شمال سوريا.

وفيما يخص العنف الأسري، لا يوجد في سوريا قانون خاص يتعامل مع العنف المنزلي، وخاصة ضدّ النساء، فقد تعامل القضاء في سوريا مع هذا النوع من الجرائم مثلها مثل باقي الجرائم المتعلّقة بالإيذاء والمشاجرة المنصوص عليها في المادة (540) وما بعدها، من قانون العقوبات السوري العام بحسب سرجاوي، وقد جعل هذا القصور القانوني حماية النساء والأطفال المتضررين من العنف المنزلي أمراً بالغ الصعوبة وغالباً، لا تقوم الزوجة بتقديم أي شكوى (الادعاء) ضد زوجها، لأسباب عديدة، منها عدم القدرة على تحمّل تبعات هذه الشكوى في ظل غياب الحماية لها.

وتضيف “بالنسبة لعقوبة إكراه الغير على تعاطي المخدرات تتضمن عقوبات مشددة وفقاً للمادة 39 من القانون رقم 2 لعام 1993 الذي ينص على الحكم بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى ذلك قد تُفرض غرامات مالية كبيرة على مرتكبي هذا الجرم، لكن بالنسبة للوضع شمال سوريا لا يوجد حماية للنساء المتعرضات للعنف”، علماً بأن القانون المعمول به هو القانون السوري قبل 2011 في المناطق التابعة للحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا.

أما في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ المتمثلة بهيئة تحرير الشام أو الإدارة الذاتية المتمثلة بقوات سوريا الديموقراطية، تم استبدال القوانين الرسمية للدولة بقوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية أو العرف المحلي في مناطق سيطرة الإنقاذ، حيث فُرضت عقوبات جسدية على المتعاطين وتجار المخدرات، في المقابل وفي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية أو جماعات أخرى، كان التعامل مع المخدرات يتم بطرق مختلفة حسب النظام القانوني الخاص بتلك المناطق.

أثر الفوضى القانونية على النساء

حالة الفوضى القانونية التي خلفتها الحرب جعلت النساء الأكثر تأثراً في ظل غياب نظام قانوني فعال يوفر الحماية، حيث وجدت العديد من النساء أنفسهن عالقات في دوامة العنف الأسري دون وجود ملاذ آمن يلجأن إليه ولم تقتصر المعاناة على العنف الأسري فحسب، بل كانت النساء يجبرن في كثير من الحالات على تعاطي المخدرات من قبل أزواجهن المدمنين، مما زاد من تعقيد الأزمة، خاصة في ظل غياب مؤسسات تقدم الرعاية أو المساعدة القانونية والنفسية

وأينما كانت النساء اللواتي يتعرضن للعنف المرتبط بتعاطي المخدرات، شددت سرجاوي على أهمية وجود جهة تضمن حماية النساء المتعرضات للعنف في ظل فقدان الكثير منهنّ لوجود الأهل في ظل الظروف الراهنة.

وتعكس قصتا سارة ودلال وغيرهما من السيدات واقع العديد من النساء اللواتي يعشن تحت وطأة العنف والإدمان في الشمال السوري الذي يقطنه نحو ستة ملايين نسمة، بينهم نحو 2.9 مليون نازح، يقاسي المدنيون من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، لكن واقع النساء والأطفال، ونسبتهم 80% من النازحين، هو الأسوأ مقارنة بشرائح المجتمع الأخرى، نتيجة تعرضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وأشار بيان مشترك للأمم المتحدة، صادر في كانون الأول/ ديسمبر 2022 إلى أن نحو 7.3 مليون شخص في سوريا، معظمهم من النساء والفتيات، بحاجة إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأن النساء والفتيات السوريات تواجهن قيوداً على الحركة “وإمكانية محدودة للوصول إلى فرص العمل وخدمات الحماية والرعاية الصحية، وغيرها من المساعدات الحيوية في ظل التزايد المستمر في انتشار المخدرات في سوريا.

آثار إدمان المخدرات على النساء في شمال سوريا: أزمة صحية ونفسية متفاقمة

إدمان المخدرات في شمال سوريا يشكل مشكلة صحية ونفسية عميقة، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يجدن أنفسهن محاصرات بين الإدمان والعنف الأسري. تشير دراسات طبية إلى أن المخدرات مثل الكابتاغون والترامادول، التي تستهلك بشكل واسع في تلك المناطق، تتسبب في أضرار جسيمة على الصحة البدنية والنفسية للمدمنات.

وحسب الطبيبة إيمان سالم “المخدرات مثل الكابتاغون والترامادول تؤدي إلى تدهور الجهاز العصبي، مما يتسبب في مشكلات صحية خطيرة، تشمل اضطرابات في عمل القلب مثل النوبات القلبية والجلطات الدماغية ومن الناحية العصبية، تؤثر المخدرات على إفراز الدوبامين في الدماغ، وهو ما يؤدي إلى صعوبات في اتخاذ القرارات والتعامل مع الحياة اليومية والنساء المدمنات يعانين من ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة مثل الاكتئاب والقلق، نتيجة الأضرار العصبية والنفسية الناجمة عن الإدمان”

التأثير النفسي للإدمان والعنف

إلى جانب الأضرار الجسدية، تعاني النساء المدمنات من آثار نفسية خطيرة. تشير الأبحاث إلى أن العديد منهن يعانين من اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، بسبب التعرض المستمر للعنف الأسري والاستغلال الجنسي وغالباً ما تجد النساء أنفسهن في حالة من العزلة الاجتماعية، ما يزيد من مشاعر العجز والإحباط.

تقول الأخصائية النفسية هاجر المحمد “تظهر بعض الحالات اضطرابات ذهانية وفصامية بين النساء اللواتي يجبرن على تعاطي المخدرات المنشطة مثل الميثامفيتامين وهذه الاضطرابات تجعل عملية التعافي أكثر تعقيداً، حيث تحتاج النساء إلى دعم نفسي مكثف وطويل الأمد للتغلب على الآثار النفسية والعقلية التي خلفها الإدمان.”

تحديات الرعاية الصحية والنفسية

في ظل الوضع الراهن في سوريا، تواجه النساء المدمنات صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة حيث توقفت العديد من المؤسسات الصحية عن العمل أو تعمل في ظل ظروف صعبة للغاية وبالرغم من ذلك، لا تزال بعض المبادرات المحلية والدولية تحاول تقديم الدعم.

إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات هائلة، أبرزها عدم كفاية الموارد المتاحة لتلبية احتياجات جميع النساء المتضررات وكثير من النساء غير قادرات على الوصول إلى هذه الخدمات بسبب العوائق الجغرافية أو الاجتماعية.

الدعوة إلى التحرك والحلول الممكنة

من الواضح أن أزمة المخدرات في سوريا ليست مجرد مشكلة صحية، بل هي أزمة اجتماعية وسياسية تهدد استقرار المجتمع السوري على المدى الطويل، النساء والأطفال هم الضحايا الرئيسيون لهذه الأزمة، ومع غياب القوانين والمؤسسات الداعمة، تظل الحلول محدودة.

لكن هناك حاجة ماسة لاتخاذ خطوات جادة لحل هذه الأزمة إذ يجب أن تبدأ الجهود بتقديم الدعم النفسي للنساء المدمنات وضحايا العنف، مع التركيز على توفير ملاذات آمنة وبرامج إعادة تأهيل شاملة تمكن النساء من التعافي والاندماج في المجتمع من جديد  بالإضافة إلى ذلك، لا بد من تعزيز التوعية المجتمعية حول مخاطر المخدرات وتأثيرها على العائلات، وتشجيع المجتمعات المحلية على تقديم الدعم للنساء والأطفال المتضررين كما تخبرنا الأخصائية الاجتماعية سلام الطويل.

على الصعيد الدولي، تقول الطويل “يتعين على المنظمات الإنسانية توجيه المزيد من الجهود نحو محاربة المخدرات وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للنساء المتضررات ويمكن أن تلعب المنظمات الدولية دوراً مهماً في تقديم الدعم اللازم، سواء من خلال توجيه التمويل أو العمل مع المنظمات المحلية لتعزيز برامج التأهيل والعلاج.”

وفي حين أن الحرب في سوريا لا تزال مستمرة، يبدو أن المخدرات ستظل جزءاً لا يتجزأ من اقتصاد الحرب، ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لوقف هذا النزيف الاجتماعي وتحرير سوريا من آفة المخدرات حيث أن توفير الحماية للمجتمعات المتضررة أصبح الآن أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إذ أن الأزمة المتعلقة بالإدمان والعنف الأسري في سوريا ليست مجرد مشكلة فردية أو عائلية، بل هي تهديد جوهري لمستقبل المجتمع السوري ككل والأطفال الذين يكبرون في بيئات عنيفة، والنساء اللواتي يتعرضن للإنتهاكات، هم ضحايا جيل كامل من المعاناة يحمل معه آثاراً طويلة الأمد، قد تستمر لعقود، والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية مطالبون بتحويل هذه القضية من هامشية إلى أولوية في جهود إعادة الإعمار وبناء السلام في سوريا من خلال العمل الجماعي والتخطيط الاستراتيجي الذي يضمن مستقبل أكثر أماناً واستقراراً للأجيال القادمة في سوريا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى