مدنيو ادلب بين قصف النظام وممارسات سواعد الخير
أقدمت القوة الأمنية لما يسمى ب “سواعد الخير” حالياً، وجهاز الحسبة سابقاً بفرض وتنفيذ قرار يقضي بمصادرة مادة الدخان من المحال التجارية في مدينة ادلب وسلقين، ومنع بيع السجائر في هذا المحال بسبب مخالفتها لتعاليم الشريعة الإسلامية.
سواعد الخير التابعة لهيئة تحرير الشام والتي تعتبر امتداداً لما كان سابقاً يسمى بجهاز الحسبة والمنتشر في مراكز المدن والبلدات في محافظة ادلب تغيرت أسميا منتصف شهر حزيران من العام 2017، واعتبر محللون حينها أن التغيير الشكلي في التسمية كان متزامناً مع التغيرات الشكلية التي كانت تجريها جبهة النصرة، وقسمت حينها جهاز الحسبة الى جهازين بتسميتين مختلفتين هما جهاز الشرطة الإسلامية والذي تحول منذ فترة قريبة الى جهاز الشرطة وتبعيته لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ، ولسواعد الخير التي نشطت مؤخراً في مدينة ادلب وسلقين وصعدت من ممارساتها بحق المدنيين وشؤنهم الخاصة.
أبو صالح أحد أصحاب المحال التجارية وفي تصريح خاص لـ ادلب بلس قال:
” إن سواعد الخير التي شكلتها هيئة تحرير الشام مؤخراً هم ذاتهم جهاز الحسبة التي تم طردها بعد مظاهرات في المدينة طالبت بإخراج الحسبة من المدينة ولكن تم تتغير اسمها فقط ولا تزال الأفعال ذاتها”
وأضاف ” منذ بدأت حملة سواعد الخير كل يوم تأتي السيارة المغلقة التابعة لـ سواعد الخير وتصادر كميات الدخان الموجودة لدينا ضمن المحال التجارية، وفي اليوم الثاني نعود لشراء هذه الكميات نفسها منهم بنصف سعرها الحقيقي، ومبررهم دائماً هي دعم رجال الدين والدعوة”
أسعار الدخان في مدينتي ادلب وسلقين ارتفعت بشكل كبير بعد الحملة الأخيرة، وبنفس التوقيت لم تقم سواعد الخير بإتلاف المواد المصادرة كدليل على جديتها في الحملة ولا تزال تحتفظ في هذه المصادرات في مستودعاتها.
الحملة التي شكلت عبئاً على المواطن الفقير في ادلب كما صرح لنا أبوعبدالله أحد أصحاب (بسطات الدخان) في مدينة ادلب، وأضاف “أن بسطة الدخان البسيطة التي كانت مصدر رزق لي ولعائلتي وأطفالي الستة قد أغلقت بفعل سواعد الخير، وبنفس الوقت لا أملك أي مصدر رزق آخر ولا أمتهن أي مهنة يمكن أن تسد حاجتي وحاجة عائلتي”
وختم أبو عبد الله تصريحه بسخرية قائلاً ” إن سواعد الخير منذ الأسبوع تقريباً تشن حملات وتفرض مخالفات على عدة قضايا، وتتدخل في الشؤون الخاصة للمدنيين ك لباس الجينز أو شكل الحلاقة ومخالفة على حلاقة الذقن ولون حجاب المرأة وحصر لون الحجاب بالأبيض والأسود ومنع الاختلاط في وسائل النقل، وكل هذا في ظل ظروف معيشية وأمنية صعبة واستثنائية، وكل ما أخشاه أن تحدد سواعد الخير أوقات النوم والاستيقاظ للمواطنين، أو أن تمنعني سواعد الخير والقوة الأمنية من التحدث إلى زوجتي او مرافقتها في الشارع”
الجدير بالذكر أن حملة سواعد الخير التي بدأت في مدينتي ادلب وسلقين تتوسع تدريجياً باتجاه مناطق مختلفة من محافظة ادلب ك سرمدا ومدينة أريحا وحارم وغيرها من المناطق.
والحملة من حيث الممارسات وفرض المخالفات ليست مقتصرة فقط على بيع الدخان أو شكل اللباس أو الموديل، إنما تعدته إلى نواحي أخرى، ومنها ما حدث في مدينة سلقين. حيث قامت سواعد الخير ومنذ فترة الشهر بمخالفة أصحاب محلات بيع الألبسة النسائية بسبب عدم تغطية أوجه ألعاب العرض (الملكانات) وفرضت عليهم تغطية أو إزالة رأس هذه الألعاب، وإزالة صور النساء من ماركات الألبسة، وبررت مجموعات سواعد الخير المخالفة لأصحاب المحلات ممارساتها بأن هذه الألعاب والرسوم والصور تروج للأصنام وتثير الغرائز وهي محرمة وغير محتشمة.
“رافي السيد” صاحب محل ألبسة نسائية في مدينة سلقين صرح ل ادلب بلس بالقول:
“تأتي سواعد الخير الى متاجرنا وتصادر المليكان بتهمة الترويج للأصنام أو تفرض علينا ان نغطي رؤوس (الملكانات) بأكياس النايلون، وفي حال مخالفة تعليمات سواعد الخير فإننا نضطر إلى دفع غرامة مالية مقدارها عشرون ألف ليرة سورية، والإنذار بعدم تكرار المخالفة وأي مخالفة إضافية سينجم عنها مصادرة بضائع المحل وسيتم إغلاقه بالشمع الأحمر بشكل نهائي”.
الجدير بالذكر أن صوراً لألعاب عرض ملبوسات تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ مدة وهي مغطاة الوجه بأكياس النايلون، وأثارت وقتها هذه الصور موجة من السخرية والتهكم نال من القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام ومن جهاز “سواعد الخير”.
وفي متابعة تصريح رافي السيد ل ادلب بلس قال: لم تكتفي سواعد الخير بهذا القدر من التضييق على المواطنين بل تعدته ومنعت تواجد صاحب المتجر ضمن المحل بوجود العاملة فيه وفي حالة المخالفة يتم تحويلنا الى القضاء واغلاق المحل بالشمع الأحمر لمدة تزيد عن شهر”
ويبلغ عدد محال بيع الألبسة النسائية في مدينة سلقين، نحو 200 محلًا، يعمل فيها نحو 150 فتاة، معظمهن من النازحات والمهجرات قسريًا، ويبلغ معدل رواتبهن 25 ألف ليرة سورية كل شهر.
وفي السياق نفسه. فرضت سواعد الخير عقوبة مادية على أصحاب محلات الحلاقة في مدينة سلقين في حال مخالفة قراراتهم وحلق اللحية للزبائن بالإضافة لمنع الحلاقين من تصفيف شعر الزبائن بأشكال غير كلاسيكية كما وصفها عناصر سواعد الخير.
الجدير بالذكر أن عناصر القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام أقدمت يوم أمس وبحسب شهود عيان من مدينة ادلب، على جلد ثلاثة عشر شاباً، بتهمة حلاقة القزع ولبس “الجينز” حسبما أفاد الشهود.
وذكر مصدر مطلع ل ادلب بلس أن عناصر القوة الأمنية اقتادوا الشبان في البداية إلى سجن القوة الأمنية بعد تسيير دوريات في شوارع ادلب وخاصة في مناطق انتشار المدارس والمعاهد والجامعة، وبعد عدة ساعات تم اقتيادهم لتنفيذ حكم الجلد ضمن مبنى الأمنية وجُلِدَ كل شاب عشرة جلدات على الظهر وعشرة أخرى على الأرجل ثم أُطلق سراحهم بعد أن وقعوا على تعهد بعدم الحلاقة بهذا الشكل وعدم ارتداء الجينز.
وحسبما أورده أحد عناصر القوة الأمنية لمراسل ادلب بلس أن الحملة والنشاط الأخير في تحركات جهاز “سواعد الخير” يعود ل المدعو “أحمد آغا ” أحد أمراء هيئة تحرير الشام، ويعرف بلقب أمير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي تسلم ملف الحسبة وجهاز الشرطة الإسلامية مؤخرا والتي تمارس هذه الحملات حاليا باسم سواعد الخير.
وفي متابعة لنفس السياق فقد صدر بياناً أصدرته مشافي إدلب العامة والخاصة يوم أمس أعلنوا من خلاله رفضهم لـ أي تدخل في المؤسسات الطبية العاملة في مدينة إدلب من قبل أي جهة كانت سواء عسكرية أو سياسية أو مهنية أو طبية أو شرعية، وجاء البيان على خلفية القرارات التي تصدرها سواعد الخير وتلزمهم بالتقيد بها، واكد البيان أن مديرية صحة إدلب هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذه المنشآت و أي تدخل من قبل أي جهة كانت وتحت أي سبب كان يعتبر تدخلاً سافراً في هذه المنشآت، كما تحدث البيان عن حساسية الملف الطبي وخطورة التدخل في مفصليات هذا الملف التي قد تتسبب في إيقافه أو إيقاف دعمه في ظل وضع صحي متردي تشهده محافظة ادلب وريفها
بيان مشافي ادلب العامة والخاصة صدر على خلفية عدة قرارات من سواعد الخير والقوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام تلزم فيها مدراء المشافي العامة والخاصة بكتابة تعهد على أن يلتزم جميع العاملين في المشافي من ذكور واناث بالعمل المنفصل عن بعضهما البعض، والالتزام باللباس الشرعي، وعدم مخالفة هذه القرارات.
بالمقابل مديرية الصحة الحرة التي تعتبر الممثل الإداري الرسمي لمشافي ادلب العامة والخاصة أصدرت بياناً موازياً من حيث المضمون لقرارات سواعد الخير والقوة الأمنية، طالبت فيه كافة المشافي والنقاط الطبية في محافظة ادلب بالالتزام باللباس الشرعي المحتشم خلال أوقات الدوام الرسمي، وعدم وضع مساحيق التجميل والعطر ورفع الشعر بطريقة غير شرعية، بالإضافة لمنع الاختلاط بين الذكور والإناث في حرم المشافي والمستوصفات.
قرارات منع الاختلاط التي تصدرها وتنفذها سواعد الخير والقوة الأمنية التابعة لتحرير الشام. لم تقتصر فقط على المشافي والمنشآت الصحية، بل تعدتها لوسائل النقل والسيارات والباصات العامة، حيث قامت سواعد الخير الأسبوع الفائت بإيقاف مشروع النقل الداخلي لمنظمة “بنفسج” في مدينة ادلب، كما قامت بمخالفة سائقي الباصات بسبب اختلاط الرجال بالنساء في الباصات، وسماع الموسيقى أثناء التنقل.
ممارسات سواعد الخير والقوة الأمنية المساندة لها، والتابعة لهيئة تحرير الشام، وفي ظل الأوضاع المتردية على كافة الصعد في محافظة ادلب تزيد من مأساوية الوضع، وبنفس الوقت تشكل تهديد حقيقي لمصادر الدعم الدولية والأممية التي ترفض أي تدخل من أي طرف عسكري أو سياسي في المشاريع التي تقوم بدعمها، وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم.