
أهمية السلامة الرقمية للصحفيين في عصر المخاطر الإلكترونية المتزايدة
في ظل التطور التكنولوجي المتسارع وزيادة الاعتماد على الوسائل الرقمية، أصبحت السلامة الرقمية عنصراً حاسماً في حماية الصحفيين والصحفيات ومصادرهم، خاصة مع تزايد التهديدات الإلكترونية التي تستهدف حرية الصحافة وسرية المعلومات، إذ تُعد السلامة الرقمية ضرورية لضمان استمرار العمل الصحفي بفاعلية وأمان، لا سيما في البيئات التي تشهد قمعاً إعلامياً أو تهديدات أمنية.
التهديدات الرقمية وتدابير الحماية
أكد الإعلامي مصطفى سلوم، في حديثه لمنصة “إدلب بلس”، أن التهديدات الرقمية المتزايدة التي تواجه الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي تتطلب اتخاذ إجراءات أمنية صارمة لحماية أنفسهم ومصادرهم.
ومن خلال تعامله مع مختلف مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي بسبب طبيعة عمله الصحفي، قال السلوم إنه يعتمد عدة آليات لضمان سلامته الرقمية ومنها تغيير البريد الإلكتروني مباشرة في حال الاشتباه باختراقه، مع استخدام عنوان جديد يتمتع بتشفير قوي لحماية الاتصالات المستقبلية، وتجنب فتح أي روابط مجهولة المصدر، خاصة تلك التي تصل عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية لأنها قد تحتوي على برمجيات خبيثة أو تكون جزءًا من هجمات تصيد احتيالي.
وأشار سلوم إلى بعض النصائح من خلال تجربته الشخصية بعد خضوعه لعدة تدريبات أمن رقمي، أهمها مراجعة الجلسات النشطة على الحسابات الإلكترونية بشكل دوري للتأكد من عدم وجود دخول غير مصرح به، وإغلاق أي جلسات مشبوهة فورًا، كما أكد على ضرورة إجراء فحوصات دورية للهاتف باستخدام برامج الحماية المتخصصة، لضمان عدم وجود أي تهديدات خفية قد تستهدف البيانات الشخصية.
تحديات الصحفيات في مواجهة التهديدات الرقمية
في ظل التهديدات الرقمية المتزايدة التي تواجه الصحفيات، أصبح تأمين الحسابات الشخصية وحماية البيانات أمراً ضرورياً لتجنب الاختراقات والاستهداف الإلكتروني، ورغم المحاولات الفردية لاكتساب المعرفة حول الأمن الرقمي، لا تزال هناك تحديات في الوصول إلى إرشادات واضحة عند مواجهة تهديدات غير مألوفة، في هذا السياق، تتحدث الصحفية سوسن الحسين عن تجربتها الشخصية مع محاولات الاختراق وكيف تعاملت معها.
تقول سوسن: إنها تلقت إشعاراً قبل فترة بمحاولة دخول غير مصرح به إلى حسابها على فيسبوك، ما دفعها فوراً إلى تغيير كلمة المرور واختيار واحدة أكثر تعقيدًا لحماية حسابها، كما تلقت إشعاراً آخر يشير إلى أن حسابها قد تم استخدامه على الويب المظلم من خلال أربع جلسات مختلفة.
لم تكن سوسن على دراية بما يعنيه ذلك، فاستعانت بإحدى الفرق المختصة بالأمن الرقمي لفهم الأمر، لكنها لم تحصل على توجيهات واضحة حول الإجراءات التي ينبغي اتخاذها.
توضح سوسن أنها تحاول التعامل بحذر مع أي رابط يصلها، فتفحصه عبر أداة “فايروس توتال” قبل النقر عليه، كما تطبق بعض المعلومات التي اكتسبتها من التدريبات التقنية التي حضرتها، على أمل تعزيز أمنها الرقمي في ظل المخاطر المتزايدة التي تواجه الصحفيين.
العنف الرقمي وأشكاله
يعرف مدرب الأمن الرقمي حسن محمد الحسين “العنف الرقمي” بأنه كل فعل يتم باستخدام التكنولوجيا الحديثة من قبل أفراد أو جماعات ليشكل خطرًا أو فقدان الأمان للطرف المتلقي، وقد يكون الصحفيون/ات الذين يتعاملون مع معلومات حساسة أو ينتقدون جهات قوية أهدافاً لهجمات إلكترونية تهدف إلى سرقة البيانات أو تعطيل عملهم، ويمكن أن تشمل هذه الهجمات اختراق البريد الإلكتروني أو التصيد الاحتيالي أو البرمجيات الخبيثة.
ويوضح من خلال حديثه إلى “إدلب بلس” خطورة التصيد الاحتيالي والبرمجيات الخبيثة، حيث أن التصيد الاحتيالي (Phishing) هو نوع من الهجمات الإلكترونية التي تهدف إلى خداع الضحية للحصول على معلومات حساسة، مثل كلمات المرور أو بيانات البطاقات المصرفية، من خلال انتحال هوية جهة موثوقة، غالبًا ما يتم ذلك عبر رسائل بريد إلكتروني أو مواقع وهمية تبدو شرعية، حيث يُطلب من المستخدم إدخال بياناته الشخصية، مما يمكن المهاجم من سرقتها واستخدامها.
أما البرمجيات الخبيثة (Malware) فهي برامج ضارة يتم تصميمها لاختراق الأجهزة وتعطيلها أو سرقة البيانات دون علم المستخدم، وتشمل هذه البرمجيات عدة أنواع، مثل الفيروسات التي تلتصق بالملفات وتنتشر عند تشغيلها، وأحصنة طروادة التي تتنكر في شكل برامج سليمة لكنها تحمل شيفرات خبيثة تتيح للمهاجمين التحكم بالجهاز، كما توجد برامج الفدية التي تقوم بتشفير ملفات الضحية وتطلب فدية مالية مقابل فك التشفير، إضافة إلى الديدان التي تنتشر تلقائيًا بين الأجهزة دون الحاجة إلى تشغيل ملف معين، وبرامج التجسس التي تعمل بصمت على مراقبة نشاط المستخدم وجمع بياناته.
ويضيف أنه للتعامل مع هذه التهديدات، يجب الحذر من فتح الروابط أو الملفات المشبوهة، والحرص على تحديث برامج الحماية بانتظام، وتفعيل إجراءات الأمان مثل التحقق بخطوتين للحسابات الإلكترونية.
أهمية السلامة الرقمية للصحفيين
يعتمد الصحفيون/ات والعاملون/ات في المجال الإعلامي على مصادرهم للحصول على المعلومات، وغالباً ما تكون هذه المصادر معرضة للخطر إذا تم الكشف عن هويتها، ويمكن أن تؤدي الاختراقات الرقمية إلى تعريض حياة المصادر للخطر، خاصة في الدول التي تعاني من انتهاكات حقوق الإنسان، كما يمكن أن تؤدي الهجمات الرقمية إلى فقدان البيانات أو تعطيل الأنظمة، مما يعيق قدرة الصحفيين على إنتاج المحتوى ونشره، فالسلامة الرقمية تساعد في تقليل هذه المخاطر.
لذا تظهر أهمية الحفاظ على سرية المعلومات في عصر المراقبة الجماعية، التي أصبح من السهل على الحكومات أو الجهات الخبيثة مراقبة الاتصالات الرقمية، وهنا يحتاج الصحفيون/ات إلى أدوات وتقنيات تضمن سرية اتصالاتهم وحماية بياناتهم من الوصول غير المصرح به.
يقول المدرب حسن الحسين: إن السلامة الرقمية لم تعد خياراً يمكن تجاهله في العمل الصحفي، بل أصبحت ضرورة لحماية الصحفيين والصحفيات ومصادرهم، مؤكداً على أهمية تبني عادات رقمية آمنة، بدءاً باستخدام أدوات التشفير عند التواصل وتخزين الملفات، مثل تطبيقات المراسلة المشفرة وبرامج التشفير مثل “VeraCrypt”، فضلاً عن ضرورة إنشاء كلمات مرور قوية وتفعيل المصادقة الثنائية باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الاختراقات.
وأضاف أن الحذر من شبكات الواي فاي العامة أمر ضروري، مشيراً إلى أهمية الاعتماد على شبكة موثوقة لحماية البيانات، كما حذّر من مخاطر التصيد الاحتيالي وهجمات الهندسة الاجتماعية، داعياً الصحفيين والصحفيات إلى تجنب فتح الروابط أو الملفات المشبوهة.
وختم حديثه بالتأكيد على أهمية المشاركة في التدريبات المتخصصة لتعزيز المهارات الأمنية، مشددًا على أن الوقاية هي الوسيلة الأفضل لمواجهة المخاطر الرقمية المتزايدة.
تجربة صحفية
تؤكد الصحفية رنيم خلوف، في حديثها إلى “إدلب بلس”، أنها تحرص على تأمين سلامتها الرقمية من خلال ميزات الخصوصية التي توفرها المنصات الإلكترونية. رغم ذلك، فقد تعرضت سابقاً لتهديد أمني رقمي، حيث تمكن شخص مجهول من الوصول إلى بياناتها الشخصية واستخدام صورها بطريقة مسيئة بهدف الإضرار بها.
بعد تعرضها للابتزاز الإلكتروني، لجأت خلوف إلى جهة قانونية وقدمت شكوى، كما استعانت بخبير في الأمن الرقمي، ما ساعدها في تحديد هوية الفاعل والوصول إليه ومحاسبته قانونياً.
تقول: إن “هذه التجربة جعلتها أكثر حذراً في التعامل مع فضائها الرقمي، خاصة أنها تعمل في مجال الصحافة والإعلام، حيث تسعى إلى تضييق دائرة محيطها الرقمي قدر الإمكان، لتجنب أي تهديدات مستقبلية. كما تحرص على اتخاذ إجراءات حماية مثل تفعيل التحقق بخطوتين، واستخدام كلمات مرور قوية لحساباتها الشخصية أثناء تصفحها لمواقع التواصل الاجتماعي.
تحديات الصحفيات السوريات
في تقرير شبكة الصحفيات السوريات بعنوان “بيئة عمل الصحفيات السوريات” الممتدة من نوفمبر 2023 إلى مايو 2024، ذكر أن الصحفيات في شمال غرب سوريا عانين من بيئة إلكترونية مليئة بالمخاطر، حيث يتعرضن للعنف الرقمي بأشكال متعددة، مثل الاختراقات السيبرانية والتشهير عبر منصات مثل “تلغرام” و”فيسبوك”، مما يهدف إلى تقييد عملهن الإعلامي.
في ظل هذه المخاطر، تلجأ بعض الصحفيات لاستخدام أسماء مستعارة لحماية هويتهن، لكن ذلك يعيق بناء مسيرتهن المهنية، كما أن المؤسسات الإعلامية التي يعملن بها لا توفر آليات حماية رقمية فعالة، ويقتصر الدعم المتاح على إرشادات تقنية محدودة وفي حال التعرض للتشهير أو التنمر الرقمي، يكون الدعم مقتصراً على دوائر الأصدقاء والزملاء، بينما تسهم الدوائر الاجتماعية الأوسع في التنمر أو لوم الضحية ولا توجد قوانين أو جهات رسمية لحماية الصحفيات من هذه الاعتداءات الرقمية أو لمتابعة قضاياهن.
دور المنصات المحلية في دعم الصحفيات
وأضاف التقرير أنه في غياب الحماية المؤسساتية، تلعب المنصات المحلية للأمن الرقمي، مثل منصة “سلامتك”، دوراً في تقديم الدعم من خلال تدريبات توعوية وإرشادات تقنية، إذ تبقى الصحفيات معرضات لانتهاكات رقمية قد تتفاقم لتشمل الاستدعاءات أو الاعتقالات من قبل سلطات الأمر الواقع، كما تؤثر هذه التحديات على حالتهن النفسية، حيث يمنح الفضاء الإلكتروني المعتدين المجهولين فرصة أكبر للإفلات من العقاب، مما يهدد استمرار الصحفيات في مسيرتهن المهنية ويجعل عملهن الإعلامي محفوفاً بالمخاطر.
نصائح للتعامل مع العنف الرقمي
إذا وجدت نفسك في موقف تتعرض فيه للتنمر أو المضايقة أو التهديد أو نشر صورك دون موافقتك، فمن المهم اتباع بعض القواعد للحد من العنف الرقمي، أهمها تجنب الرد والانتقام، حيث يسعى المعتدي غالباً إلى إثارة رد فعل. يقول خبراء الأمن الرقمي: احرص على توثيق الاعتداءات الرقمية عبر التقاط صور للشاشة والاحتفاظ بها كدليل عند الحاجة.
وقم بالإبلاغ عن الحسابات والمنشورات والتعليقات المسيئة عبر المنصات المتاحة إذا كان ذلك ممكناً، وأزل الشخص من قائمة الأصدقاء أو المتابعين لتقليل التفاعل معه، ومن الأفضل أيضاً حظر الحساب لمنع أي تواصل مستقبلي وفي حال استمر التهديد، فمن المهم التحدث مع شخص موثوق وطلب الدعم، وعند الضرورة إبلاغ الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
تدابير وقائية للحد من العنف الرقمي
يؤكد حسن الحسين على أهمية اتخاذ تدابير وقائية للحد من العنف الرقمي، بدءاً بحماية الحسابات عبر استخدام عناوين بريد إلكتروني مختلفة عند التسجيل في شبكات التواصل الاجتماعي، مع اختيار كلمات مرور قوية لتجنب مخاطر الاختراق وسرقة البيانات، كما يشدد على ضرورة عدم تخزين كلمات المرور على الأجهزة المحمولة أو الحواسيب، لأن فقدانها أو سرقتها قد يمنح الآخرين إمكانية الوصول إلى الحسابات الشخصية.
ويوصي أيضاً بتفعيل المصادقة الثنائية لحماية الحسابات من الاختراق، مشيرًا إلى أن المخاطر لا تقتصر فقط على الهجمات الخارجية، بل تشمل أيضاً سياسات بعض التطبيقات التي قد تتيح الوصول إلى المنشورات والملفات الشخصية، ومن الضروري قراءة شروط الاستخدام وقواعد الخصوصية بعناية قبل التسجيل أو تنزيل أي تطبيق.
أخيراً، ينبه إلى أهمية التفكير جيدًا قبل نشر أي معلومات شخصية أو حساسة على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن ذلك قد يعرض المستخدم لمخاطر رقمية غير متوقعة، مما يستدعي التعامل بحذر مع البيانات المنشورة.
في عصر المخاطر الإلكترونية المتزايدة، أصبحت السلامة الرقمية للصحفيين أمراً لا غنى عنه، إذ يمكن للصحفيين حماية أنفسهم ومصادرهم من الاختراقات والاستهداف الإلكتروني من خلال اتخاذ تدابير أمنية صارمة وزيادة الوعي بالتهديدات الرقمية، كما أن دعم المؤسسات الإعلامية والمنصات المحلية يلعب دوراً حاسماً في تعزيز الأمن الرقمي للصحفيين، مما يمكنهم من مواصلة عملهم بثقة وأمان في ظل التحديات المتزايدة في الفضاء الإلكتروني.