تضرر عوائل المختفيات قسرا لدى تنظيم الدولة “داعش” جسدياً ونفسياً
“قلب أمي المكلوم لم يتحمل فجيعة فقدها ابنتها، حتى فارقت الحياة حسرة وقهرا بعد أن أثقلتها الهموم”، متأثرة باختفاء أختي (روشان) بظروف غامضة على الطريق الواصل بين مدينتي مارع واعزاز بريف حلب الشمالي، قبل قرابة ستة أعوام، حيث سيطر تنظيم داعش الذي صنف بالإرهابي دوليا على العديد من المناطق هناك، واضطرت مئات العائلات للنزوح بشكل جماعي من المنطقة.
بهذه المقدمة بدأت الشابة (روكان) من مدينة عفرين حديثها قبل الدخول في خضم قصة شقيقتها التوأم والتي كانت تقل سيارتها وتتجه نحو مدينة مارع لإيصال صديقتها بعد أن كانتا في مدينة عفرين شمالي غرب حلب، لتختفي بعد ذلك في ظروف غامضة وينقطع الاتصال بها وهي في طريق عودتها.
تروي روكان فجيعة الموقف بعد أن علمت وأهلها بأن تنظيم داعش الإرهابي شنَّ هجوما مباغتا على تلك المنطقة بالتزامن مع اليوم الذي فقدت به أختها، وترجيح وقوعها في قبضتهم، بسبب انتمائها للكرد وان اسمها خير دليل على ذلك مشيرة إلى أنها في حال لم تكن لديهم لكانوا سمعوا ولو خبر أو معلومة عنها أثناء بحثهم المتواصل عنها في جميع المنطقة، أما بالنسبة لوصولهم إلى تنظيم داعش فكان صعبا ومستحيلا.
تشعر روكان ذات نبرة الصوت المبحوح بوجود شقيقتها التوأم على قيد الحياة رغم انقضاء أعوام عديدة على اختفاءها، إلا أن مشاعرها التي كانت صادقة معظم الأحيان تأبى إنكار ذلك، وهو شعور لا إرادي استندت عليه من دلائل حدثت معها منذ صغرها وحتى الفترة التي سبقت فقدها أختها، حيث كانتا يتبادلن المشاعر والآراء نفسها، لدرجة أنهن يفكرن معا في الفكرة ذاتها ليكتشفن ذلك عند نطقهما للكلمات نفسها بعض الأحيان.
كان أثر غياب روشانا شديدا وقاسيا على عائلتها بالمجمل، حيث أصيبت والدتها بمرض السكري وعاشت سنواتها الأخيرة في القهر والحزن، والحسرة على ابنتها التي وضعت آمالها عليها وعلى شقيقتها التوأم، وكرست معظم وقتها في متابعتهما معا للوصول إلى مستويات متقدمة ومراتب تعليمية عالية.
أما عن الوالد الذي كان يتظاهر بالقوة والثبات، فقد كان ألم غياب ابنته قد أنهك ما تبقى ما بداخله من صمود، لينهار بشكل كامل بعد تراكم الأحداث والمصائب على عائلته ووفاة زوجته التي لطالما ساندته في مواقف الضعف.
الأذى النفسي:
دخلت روكان في حالة نفسية مستعصية، ولم تتعاف منها إلى اليوم، وذلك بسبب مطاردة “الدواعش” لها في أحلامها، كما عبرت، حيث تتخيل أحيانا أشخاصا ملثمون يحاولون اغتصاب شقيقتها أو رجمها أو معاقبتها بطرق سمعت عنها من فتيات تمكن من الهروب من بين أيديهم بعد تعرضهن لأشكال متعددة من العنف ومعاملتهن كسبايا حرب، وتعرضهن للاغتصاب والتعذيب، ما يجعلها تصاب بانهيار نفسي حاد، لا شيء يرممه سوى خبر عن أختها إن كانت على قيد الحياة أم خلاف ذلك، علّها ترتاح من التفكير طيلة الوقت، حتى أنها عندما تحاول طي الموضوع ونسيانه فيجدده المحيطون بها بكلمات اللوم المتكررة حيث يضع الغالبية اللوم على اختها في الخروج من المدينة بالإضافة لنظراتهم القاسية دون مراعاة لمشاعر العائلة.
تتمنى روكان أن يسمع العالم صوتها من أشخاص أو مؤسسات معنية بالشأن السوري، حتى تتمكن من الوصول لأي أخبار تخص شقيقتها وشقيقات مئات الفتيات غيرها، وتطالب بوجود محاكم للمطالبة بالمختفين والمختفيات ممن طوى النسيان صفحاتهم.
وقد روت الكثيرات ممن تمكن من الهرب من بين أيدي تنظيم داعش كيفية تعرضهن للبيع في سوق للنخاسة يجمع خلاله التنظيم النسوة والفتيات المحتجزات لديهم على طريقة العصور الجاهلية في سوق أشبه بسوق بيع الأغنام، ليتم بيعهن بأموال طائلة أو تقديمهن على شكل هدايا وقرابين للقياديين من الدواعش الذين كانوا يسيطرون على مناطق واسعة شمال شرق سوريا، ويتخذون من الرقة عاصمة لخلافتهم الهمجية.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الانسان فإن ما لا يقل عن 8648 شخص لايزالون قيد الاحتجاز أو الاختفاء القسري لدى تنظيم داعش بينهم 319 طفلا و 8037 سيدة وسط عجز كبير في الكشف عن مصيرهم.