على درب حلب، جرائم مستمرة ومستقبل مجهول
عبدالفتاح شيخ عمر
منذ الساعات الأولى لدخول حلب، انتشرت أخبار كثيرة عن حالات اختفاء مدنيين من المدينة. منذ البداية، أشارت الاتهامات إلى قوات ردع العدوان و فجر الحرية ، باعتبارها السبب وراء هذه العمليات، واستنادًا إلى تشابه الأحداث مع سيناريوهات سابقة، حاولت متابعة بعضها لكن دون الوصول إلى أي معلومات مفيدة خصوصاً أن أغلب المختفيين هم من المدنيين.
في اليوم الأول، تعرض مجموعة من أصدقائنا الإعلاميين لإطلاق نار مباشر، مما أدى إلى استشهاد الساروت. وقبل يومين، تعرضت مجموعة أخرى من أصدقائنا لهجوم، حيث استشهد سامر ملاح، شبيب في المستشفى، في حين لا يزال أحد الأشخاص في عداد المفقودين ، كل الإشارات تدل على تورط قوات قسد في عمليات التصفية.
البارحة، انقطع الاتصال مع مجموعة أخرى من الأصدقاء، وفي وقت متأخر من الليل، انتشر فيديو لقوات قسد يظهر مجموعة من القتلى، القتلى مكدسين في بيك آب بطريقة تنتهك كل القوانيين و الأعراف الدولية و يشير المتحدث أنهم عناصر من ردع العدوان وفجر الحرية ، من بينهم صور يُرجح أنها تعود لأصدقائنا وهم ثوار مدنيين وأحدهم يسكن في تركيا وهو الآن في زيارة قصيرة إلى سوريا.
أحياء مدينة حلب اليوم خطرة وبعضها غير آمنة على الإطلاق، بسبب انتشار عدد كبير من عناصر الشبيحة مع أسلحتهم ، ووجود شبكة من الأنفاق التي تستخدمها قوات قسد تحت الأحياء الشرقية. كما أن قوات قسد ترصد العديد من النقاط، بما في ذلك دوار الليرمون، حيث تتكدس الآن العديد من الجثث، لمدنيين وعسكريين، تم قنصهم بواسطة قناصة قوات قسد المتمركزة في حي الأشرفية.
على الرغم من أن مسؤولية حماية المدينة والمدنيين فيها تقع على عاتق قوات ردع العدوان وفجر الحرية، إلا أنه من الضروري الإشارة بدقة إلى الأطراف التي ترتكب الجرائم وعمليات التصفية المباشرة دون تمييز بين عسكري أو مدني ، أو عدم افتراض أن هناك جهة محددة مسبقاً هي المسؤولة عن هذه الجرائم ، كما ينبغي توثيق الانتهاكات التي تحدث داخل أحياء المدينة، لضمان مساءلة مرتكبيها.
لوحظ ايضا خلال جولة البارحة في أحياء حلب انتشار عدد كبير من العسكريين بشكل عشوائي في الشوارع، مع غياب واضح للإجراءات الأمنية. هذا الوضع يتطلب تحركًا فوريًا من قبل قوات ردع العدوان وفجر الحرية لضمان عدم تحول المدينة إلى ساحة للاستعراضات المسلحة، كما ظهر في بعض مقاطع الفيديو المنتشرة التي وثّقت مشاهد من ساحة سعدالله والقلعة.
أعتقد أن الخطوة الأولى لتحسين الوضع في حلب هي تشكيل لجان محلية مسؤولة عن متابعة شؤون الأحياء، تحت اسم “لجان الأحياء” أو أي اسم آخر مشابه. ينبغي أن تتمتع هذه اللجان بعدة معايير، أبرزها المصداقية الثورية، إلى جانب الحضور والمكانة الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن تشكيل لجنة مكونة من خمسة أعضاء: ثلاثة من الثوار واثنان من الشخصيات الاجتماعية البارزة. ورغم عدم اشتراط مشاركة الأعيان في الأعمال الثورية، يجب التأكد من أنهم لم يكونوا جزءًا من أي نشاط داعم للنظام السوري.
هذه اللجان ينبغي أن تعمل بشكل مترابط ضمن قطاعات المدينة المختلفة، بحيث ترتبط كل لجنة بالأخرى من خلال هيكل تنسيقي شامل، يتصل بإدارة مركزية للمدينة. يجب أن تكون هذه الإدارة مستقلة تمامًا عن أي فصيل عسكري أو جهة سياسية معينة، وحتى عن حكومات محددة. فالواقع يشير بوضوح إلى أن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة غير قادرتين على إدارة المدينة بالشكل المطلوب.
لذلك، علينا البحث بجدية عن نموذج إدارة يلبي احتياجات المدينة، يعكس تطلعات ثوارها، ويحقق توازنًا بين التنظيم المدني والإداري من جهة، والحفاظ على الروح الثورية التي قدمت المدينة وأهلها الكثير من التضحيات من أجل الوصول إليها.