أول الطريق ثورة وآخره خيمة
أمان سعد الدين
بعدما قامت الثورة السورية في آذار عام 2011 لم يكن يعلم الشعب السوري الثائر إلى أين المصير, جعل يُفكِّر مليَّاً ويتخيل بأيّ طريقة سيرحل النظام تنحياً هرباً , أم شنقاً في ساحة المرجة “دمشق”, لا سقف للحلم ولا قوات أمنية تراه فتُصادِره، خاصةً بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري الحر والتي وصلت لتحرير 80 بالمئة من الأراضي السورية من عصابات الأسد, وها نحن نقترب من الحلم.
سنوات قليلة والطاولة قُلِبت على رأس الشعب الحالم، فحاوطه الموت من كل الجهات وأُغلِقت منافذ الحياة في وجهه وبدأ شبح الموت يهاجمه حتى تقطعت به السبل , فبدأ برحلات التهجير التي بدأت من منزله للمنازل المجاورة فالقرى المجاورة فالمدن المجاورة حتى وصل به الحال إلى بلاد الجوار ودول العالم أجمع أمَّا مَنْ بقي في البلاد فتوجه للشمال السوري ,الذي سُميَّ فيما بعد “المعقل الأخير للثوار” فكان آخر الغيث خيمة.
الأسماء من المريخ والواقع من الأرض
استيقظ الشعب بعد رحلةٍ طويلة من الاحتجاجات والحصار والقصف والتهجير فوجد نفسه في خيمة تلاصقها الخيمة فتُشكِّل مخيماً لنازحي حمص وآخراً لنازحي حماة ونازحي حلب وغيرها من المحافظات بالإضافة لقرى الريف الإدلبي المحتلة من قبل النظام السوري , فبلغ عدد المخيمات في محافظتي إدلب وحلب حتى مطلع العام الحالي 1409 مخيمات، بينها نحو 400 مخيم عشوائي, وعدد قاطني المخيمات وفقاً لمكتب اللاجئين في الإئتلاف الوطني نحو مليون و700 ألف نسمة, وأكثر ما يؤجج النفس أسماءٌ لا تمت لواقع الخيمة بصلة، مخيمات “الرحمة” و “الرحماء” مثلاً ، فتسأل نفسك أين الرحمة في كل ماجرى هل هيي أن ينتهي الحلم في خيمة ؟!
ومخيم “أرض الأمل” الذي لا ترى فيه سوى اليأس الراسخ في وجوه أهله، الفردوس والنور والوفاء والكثير من الأسماء التي لا تستوجب سوى قول “الإسم من المريخ والواقع من الأرض “.
المحنة واحدة والوِجهَة واحدة
توزعت المخيمات على امتداد الشمال السوري في أماكن قد تصلح للسكن وغالباً لا تصلح ، بسبب صغر المساحة وكثافة القاصدين لها سكناً , نجد الكثير من المخيمات بأسماء تدلُّ على أن قاطنيها كان لديهم في غابر الأزمان مدناً وقرى هاجروا منها سويةً ووصلوا لوجهتهم سويةً , فتمت تسمية مخيماتهم بأسماء مدنهم أو محناتهم ك “مخيم خان شيخون الكيماوي” , “مخيم كللي” ,”مخيم كفروما” وغيرها، تقول (أ.ص) والتي تسكن في مخيم مدينتها “هدموا منازلنا أو اغتصبوها عنوة ودفعونا لرحلة شقاءٍ لنبحث عن بقعة أرضٍ لا مالك لها لنُشيِّد منزلنا الجديد الواقع على حافة الهاوية مُتمثِّلاً بخيمة مع أبناء مدينتي ممن ذاقوا الويلات نفسها , فجمعنا شتات مدينتنا ورحلنا بها لمخيمٍ أسميناه باسمها.
خير الناس أنفعهم للناس
لمجرد سماع كلمة “مخيم” من أشخاص لا يسكنون المخيمات ولم يروها سوى على شاشات التلفاز تتبادر لِأذهانهم الكثير من الأفكار والتي هي بالغالب سلبية, فالمخيم بنظر أحدهم فقرٌ وجوع وفي نظر الآخر بردٌ قارص وحرٌّ قاتل وآخرٌ يراه مرتعٌ للجهل والتخلف مهما كانت النظرات لكن جميعها على المطلق تشعر بالألم تجاه سكانها , بقعة جغرافية يحتاج من عليها كل أنواع الدعم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي وغيره , ولأن لا شيء يخلصنا من المصائب كالخير الذي نفعله وجدنا الكثير من الإنسانيين والمؤثِّرين على مواقع التواصل الاجتماعي سارعوا لعمل حملات لدعمهم ك الفلسطيني “صالح زغاري” باسم “عطاؤك دفؤهم” واليوتيوبر الكويتي “أبو فلة” بحملة “دفِّي قلوبهم”, والكثير غيرها وقامت المنظمات والجمعيات الخيرية بإيصال المعونات والسلل الغذائية لأهل المخيمات ولا ننسى المبادرات الفردية وفّرت الدفء لآلاف العائلات في هذه الظروف الجوية القاسية.
نحن لا نحب المخيم ولا الخيام
لا رغبة لأحد بأن يُصدِّره العالم كما يشاء لا كما هي الحقيقة, دائماً عندما يكون الحديث عن الخيمة وأبناء المخيمات يُبدِ الجميع التعاطف والشفقة فقط لأنهم يسكنون مخيمات التهجير, التي ضمت بقماشتها الكثير من الشرفاء, الثائرين ,المُفكِّرين, المثقفين والمستضعفين أيضاً, تختلف أسباب مكوث كل فردٍ منهم بها لكنهم وبالتأكيد لم يجدوا مأوى سواها , ومن منّا يمكن أن يختار خيمة لو أنه وجد سقفٌ وجدار يسكن في ظلَّها، عرَّف الشاب (ف.ص) المُهجَّر من ريف حماة إلى الشمال السوري المخيم على أنه” كارثة إنسانية وضعنا فيه لإذلالنا وإضعافنا وتقييدنا, هو مكان أراده لنا الأعداء, وقال لنا الدعاة “تأقلموا”, وقد ضحكوا علينا بشعارات زائفة -مخيم الصمود ومخيم التحدي-. وصمودنا خارج هذا الإناء قوة أكبر وتحد أكبر، نحن لا بد أن ننتشر في أرضنا ونملك أرضنا ونجعل المخيم مكانا لمن وضعنا فيه, نحن لا نحب المخيم ولا نحب الخيام ولا نحب أن يكون هذا المكان لأحد منا”.
خذوا مخيماتكم وأعيدوا لنا المنازل
الجميع أدرك في نهاية المطاف وبعد التأمُّل والنظر المُطوَّل في الخيمة بأنه لم يسكنها قضاءًا وقدرًا، إنَّما قد ساقه العالم بأسره إليها, أمِنَ المعقول أن يترك أحداً منزله وأرضه وعمله ويذهب حباً لا غصباً إلى خيمة ؟! لا ، فكل قاطنيها يسكن قلوبهم الغضب والرفض ولسان حالهم يقول “خذوا مخيماتكم ومعوناتكم وسللكم وأعيدوا لنا منازلنا “.